المرأة الليبية ومنظمات المجتمع المدني

 المرأة الليبية ومنظمات المجتمع المدني

إن من أهم المكاسب بعد فبراير 2011 هو تمكين المرأة الليبية من المشاركة في الحياة المدنية، حيث كانت في طليعة العمل التطوعي، لا سيما من خلال منظمات المجتمع المدني والتي كانت نسبة مشاركتها بها تتجاوز 41% من عدد المتطوعين في ليبيا، و للمرأة دور خاص في حيوية المجتمع المدني حيث انخرطت في عدة مجالات الخيرية منها والحقوقية والاجتماعية والبيئية وغيرها من المجالات، فكونت العديد من المنظّمات النسائية، فكما نلاحظ أن المرأة ناشطة بشكل كبير في تقديم الخدمات والأنشطة التي تمس محيطها المحلي، خاصة القضايا التي تمس المرأة، فساعدت النازحين والمحتاجين وقدمت الدعم النفسي والمادي للعديد من المتضررين من الحروب وساهمت في نشر الوعي حول أغلب القضايا التي تمس المواطن على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي كذلك موجودة بقوة في شبكات الضغط والمناصرة والتحشيد وإقامة التظاهرات، فوفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2013 فأن المرأة الليبية تتفوق على المرأة التونسية في معدل انخراطها وتكوينها لمنظمات المجتمع المدني النسائية.

أن النشاط الملحوظ للمنظّمات النسائية وتميز المرأة الليبية كمؤسِّسة وقائدة للعديد من المنظّمات، ساهم في خلق التباس حول تكوين تلك المنظّمات أهي نسوية التركيب أم نسوية الأهداف؟ حيث أشارت سجلات مفوضية المجتمع المدني أن 7% من المنظّمات في ليبيا مؤسسيها فقط من النساء والتي عددها 360 منظّمة، تنشط 15% منها فقط في مجال تمكين ودعم المرأة وهذا يجعلنا نميل إلى أنها نسوية التركيب أكثر من أنها نسوية الأهداف، فمجال الأعمال الخيرية كان الأكثر رغبة لديها بنسبة 17.36%، يليه مجال تمكين ودعم المرأة بنسبة 15%، وفي المرتبة الثالثة مجال الخدمة الاجتماعية بــ 9.66% .

بالرغم من النسب الجيدة لمشاركة المرأة الليبية كمتطوعة بمنظّمات المجتمع المدني تظل مبادرتها في التأسيس ضعيفة مقارنة بالرجل، فعدد النساء المؤسِسات لمنظّمات المجتمع المدني في ليبيا وصل مع نهاية عام 2018 إلى (9211)  ناشطة مدنية، أي بنسبة مشاركة 20% من العدد الكلي للمؤسسين، وهذا يشير إلى أن المرأة الليبية بشكل عام تواجه في صعوبة أخذ المبادرة والتقدم لتأسيس منظمات المجتمع المدني، وهذه الصعوبة تتفاوت من مدينة لأخرى فمثلا في المدن المرج، والخمس، والزنتان سُجلت أقل نسب مشاركة للمرأة في التأسيس بــ 4.26% ، 5.28%، 5.46% على التوالي في حين شهدت المدن جالو وغدامس وزوارة ومرزق أعلى مستويات المشاركة المدنية للمرأة الليبية في تأسيس المنظمات بـ 55%، 41.83%، 31%، 30% على التوالي وبشكل عام تعتبر مدن المنطقة الجنوبية أكثر انفتاحاً على انخراط المرأة الليبية في منظمات المجتمع المدني مقارنة بمدن الشمال، أما ما يخص قيادة المرأة لمنظمات المجتمع المدني فترتفع إلى أعلى نسبها في مدينة غات بــ 31.25%، وتنخفض إلى أقل نسبها في مدينة الكفرة بـ 13.64%، في حين تأتي الزاوية وصبراتة في المرتبة الثانية والثالثة بنسب 30.61% ، 29.63% على التوالي، كما تنخفض نسبة قيادة المرأة لمنظمات المجتمع المدني في كل من طرابلس وبنغازي بــ 20.91% ، 19% على التوالي. أن هذا التفاوت في نسب انخراط المرأة الليبية في الحياة المدنية بين المدن الليبية راجع عادة إلى العادات والتقاليد داخل المدن نفسها فالمدن التي تشهد طابع قبلي عادةً تكون بها حركة المرأة وانخراطها بمنظمات المجتمع المدني مقيدة من حيث النظرة العامة حول منظمات المجتمع المدني وغياب الثقافة حول اهميتها بالإضافة إلى صعوبة تنقل المرأة داخل المدينة أو خارجها وغيرها من الصعوبات التي حدت من انخراط وتفاعل المرأة في الحياة المدنية.

 إذا ما بحثنا حول مدى تأثير المرأة الليبية المنخرطة بمنظمات المجتمع المدني على الحياة السياسة والاجتماعية والاقتصادية، فإننا سنجد الكثير من الأمثلة الناجحة فمثلا أشارت منظمة (( هيومن رايتس ووتش)) في أحد تقاريرها عن المرأة الليبية والذي اشاد بنجاح مجموعة من المنظمات النسائية بزيادة التمثيل السياسي للمرأة، وشمل ذلك حملة للمطالبة بـ 30 إلى 50 في المائة من مقاعد المؤتمر الوطني العام مقاعد مخصصة للمرأة، وفي النهاية تمت مراجعة قانون الانتخابات ليشمل مادة تنص على المساواة بين الجنسين تطالب كل حزب بوضع أسماء المرشحات بالتبادل مع المرشحين على القوائم الانتخابية، لضمان انتخاب السيدات في المؤتمر الوطني العام.

أن مجال منظمات المجتمع المدني منح للمرأة الليبية مساحة واسعة ومؤثرة للمشاركة في بناء الدولة، وأصبح أداء مهمة لها للدفاع عن حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فبرز العديد من النسوة من خلال قيادتهن لمنظمات المجتمع المدني، حيث قمن بتنفيذ العديد من المشاريع المجتمعية في ليبيا ، واستطعن كسب ثقة أغلب الجهات الدولية لجودة عملهن واتقانهن في تنفيذ المشاريع، فهذا الجهات التي تعتبر معايير التوظيف لديها تتطلب الكثير من المعرفة والمهارات، أصبحت تعتمد بشكل أساسي على المرأة الليبية في تنفيذ برامجها في ليبيا  فكيف بنا لا نمنح الفرص امامها  للمساهمة في بناء الدولة، وهي اليوم بأمس الحاجة لاستثمار قدراتها.

 

سالم المعداني

مدير إدارة التفتيش والمتابعة 

مفوضية المجتمع المدني  

تعليقات (3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *