مغالطات المجتمع المدني في ليبيا (د.ميلاد مفتاح ميلاد الحراثى)

الدكتور ميلاد مفتاح ميلاد الحراثى – بوابة أفريقيا الإخبارية |16 June, 2017

تميزت أدبيات المجتمع المدني التي طرحها المثقفون العرب في المدة الأخيرة ببروز العديد من الاتجاهات والأطروحات حول ماهية المجتمع المدني المطلوب ؟ وما هو دور السلطة وأنظمة الحكم العربية ومدى توظيفها له، وعن طبيعة المناخ السياسى الذي سوف يكسبهُ المجتمع المدني في إيجاد هامش للحرية وعدم السيطرة من النظام العربي عليه، ومن ثم إستقلال المجتمع المدني عن مواقف الأنظمة العربية، وتوفير فرص اكبر للتعددية بديلاً لسيطرة الرأي الأحادي العربي الرسمي؟وتذكر هنا أن ليبيا ليست استثناءأ.

 هذه الأسئلة لعلها شكلت إتجاهات جدل المجتمع المدني ومكوناتهِ وشروط قبولهِ كفكرة معبرة وملازمة لثقافية الديمقراطية. والاشكاليه التى تعتنى بها هذه الدراسه بأن الذي يؤمن بثقافية الديمقراطية عليه أن يقبل بمحتويات المجتمع المدني كفلسفة متضمنة لفكرة ثقافية الديمقراطية.

هذه القراءه تحاول أن تُجيب علي طبيعة تلك الاتجاهات وعلاقتها بفكرة ثقافية الديمقراطية من خلال مصطلح المجتمع المدني والاشكالات الواقعه بينهما. وتنقسم المحاوله الى تقديم مطالعه مختصره للمجتمع المدنى وآليات التوظيف السياسى لهُ،  وفحص تحليلى لمشروطية تضمين المجتمع المدنى لثقافية الديموقراطيه، واخيراً تقديم اراء لاستبدال مسارات فهم المجتمع المدنى.

اولاً: المجتمع المدنى والتوظيف السياسى

يُعتبر مصطلح المجتمع المدني ” Civil Society ” الحديث نسبياً في ادبيات الثقافة العربية مثار جدل وحوار، وأنقسم المشهد الثقافي العربي نحوه وتنوعت ثقافية المجتمع المدنى العربى إلي عدة تيارات واتجاهات:

–        اتجاهات رافضة للمجتمع المدني كلياً .

–        اتجاهات تقبل المجتمع المدني بدون تحفظ .

–        اتجاهات تقبل المجتمع المدني بتحفظ .

–        اتجاهات لا تفهم طبيعة المجتمع المدني وتقبله .

–        اتجاهات تقبل المجتمع المدني كحل للازمه ولكن لا تُدركها ادراكاً ثقافياً (1).

وهذه الاتجاهات المختلفه لفهم وتقديم ثقافية المجتمع المدنى واكبتها تطورات فرضتها التطورات الدوليه والاقليميه وطبيعة النظام العالمى من خلال اجندة الدمقرطه والاصلاح والتنميه المستدامه وحقوق الانسان. وهذه الاجنده صاحبها تنامى  وتوسع فى منظمات المجتمع المدنى الامر الذى اثار اشكاليات عديده فى معظم اقطار الوطن العربى فى ظل الطبيعه الخاصه للانظمه العربيه واداءها السياسى الداخلى وسياقات العمل السياسى بها .

 تلك الاتجاهات تمخضت عنها نتائج مهمه شكلت  تحدياً لكلا الطرفين ( مجتمع السلطه والمجتمع المدنى) على ضوء رهان برامج الاصلاح والتنميه والمشاركه والديموقراطيه وحقوق الانسان، الامر الذى افرز مشهداً سياسياً عربياً مضطرباً، وصاحبتهُ دلالات ومؤشرات دفعت بتلك الاتجاهات لتقديم ثقافية المجتمع المدنى العربى ” كمحدد اساسى للرهان الديموقراطى والتنميه والاصلاح السياسى وحقوق الانسان، وكسبيل وحيد لاعادة توصيف العلاقه بين الدوله والمجتمع” (2) .

وتعاظم الدور الداعى الى اهمية تفعيل منظمات المجتمع المدنى فى الاقطار العربيه من خلال الحركات الاحتجاجيه والدفاعيه والاجتماعيه واتساع اجندتها لتشمل القضايا الحقوقيه والبرامج التنمويه. هذا السيناريو خلق فى مسرح تفعيل ثقافية المجتمع المدنى عدة محددات على هيئة اتجاهات سياسيه فى كيفية توظيف هذا الحراك المدنى سياسياً :

–  لجؤ النظم السياسيه العربيه الى منظمات المجتمع المدنى لدعم مشروعاتها الوطنيه.

–  الانسحاب التدريجى للدوله الوطنيه العربيه من مسرح العمل الاجتماعى مكن انصار  

         المجتمع المدنى من الوصول الى الشرئح الدنيا والتى تحتاج الى خدمات، وانتشار

         المنظمات الاهليه فى معظم مدن الوطن العربى  .

–  تحول منظمات المجتمع المدنى الى ساحه استقطاب سياسى لليمين واليسار

    والاعتدال من الانظمه العربيه، وللخارج ايضاً (3).

 ومن هنا بدأ واضحاً اختلاف الرؤيه والتباين فى درجات التوظيف السياسى من جانب كل معسكر يفرض نفسهُ كمحدد لمناخ عمل منظمات المجتمع المدنى ومدى المقدره فى الدفاع عن قضايا المجتمع المدنى القطرى. الدوله القطريه تعمل من جانبها على استمالة المنظمات القطريه لمشروعاتها ومنظمات المجتمع المدنى تعمل على استمالة  الوسائط المجتمعيه اليها.

 وعدم التوافق بين الدوله القطريه العربيه ووسائطها المدنيه والاهليه نحو تبنى ثقافية المجتمع المدنى عربياً ادى الى التباين فى قبول الدوله له وبين التطور الذى يصنعهُ المجتمع المدنى ووسائطه والاداء التفاعلى وعلاقة ذلك بالدوله من ناحيه وباجندة الدمقرطه والاصلاح  وحقوق الانسان والتنميه من ناحية اخرى. 

والامر الاخر ارتبط باهمية الفعل الجماعى فى مواجهة عنف الاقليه الحاكمه والذى تشهدهُ بعض الانظمه العربيه، والذى يبدو كعامل يدفع الى ادوار جديده لوسائط المجتمع المدنى العربى فى مواجهة الدوله التقليديه، خصوصاً فى انشطه مستحدثه لم تكن مألوفه سابقاً. ايضاً ارتباط هذا المتغير بعدد من قضايا التشابك بين منظمات المجتمع المدنى فى الداخل مع نظرائها فى الخارج، خصوصاً فى عمليات التمويل الخارجى وعلاقة ذلك بقضايا السياده والامن القومى  (  4) . إلا ان الخوف الذى إكتنف بعض الانظمه العربيه من زيادة توظيف وسائط المجتمع المدنى فى العمليات السياسيه والتنمويه فى الدوله العربيه انتج مؤشرات تزيد من معدلات عدم الاطمئنان من تنامى دور منظمات المجتمع المدنى ومن ثم عدم امكانية السيطره عليه. 

ومن ناحية اخرى تثير مشكلة العلاقه بين منظمات المجتمع المدنى  والدوله القطريه مسألة التدخل  للدوله فى الوطن العربى فى انشطة وسائط المجتمع المدنى والعمل على توجيه برامجه بشكل مباشر وغبر مباشر. وهنا يمكن الحديث عن بروز عدة مستويات من التفاعل والتفعيل لقضايا المجتمع المدنى العربى من حيث علاقتها بالدوله: دول عربيه اكتسب فيها العمل المنظماتى المدنى مساحات كبرى ومؤثره مثل المغرب ومصر، ومن حيث الاعداد والانشطه، ودول اخرى تمثل فيها النشاط المنظماتى المدنى كامتداد لمؤسسات الدوله ومكمله لها، كما هو موجود فى سوريا ولبنان والسودان، والنوع الاخير، يشمل بقية الاقطار العربيه حيث لا يمكن الحديث فيها عن تواجد للعمل المنظماتى المدنى.

يكشف التحليل الانف الذكر ان الحديث عن قيام منظمات المجتمع العربى  ينبغى ان يوجه الى كيفية انجاز الشراكه بين فاعليات العمل المدنى  والاهلى العربى والدوله ومهما كانت طبيعتها، لانه لا يمكن التغلب على كل ما يعترض تقدم العمل الاهلى والمدنى العربى إلا بعد التغلب على اشكالية العلاقه بين الطرفين العدائيه وتحولها الى علاقة الاعتماد المتبادل ، وهى فى معظم الاحيان علاقه  صفريه.

وما يعيب تحقيق هذه الابعاد ان المنظمات المدنيه الحكوميه وغبر الحكوميه وقطاعاتها غير قادره الى هذه اللحظه على التأثير على العمليات السياسيه وصنعها او التأثير فيها كمشروطيه  اساسيه لبناء التوافق وتحقيق عمليات الاعتماد المتبادل.

لقيام المجتمع المدنى هناك مشروطية قيام الدوله القويه وليس العكس، فالدوله القويه هى التى تهىء المناخات  اللازمه لقيام المجتمع المدنى القوى  وذلك لاحداث التوازن بين الطرفين . بمعنى قيام علاقه تمنع سيطرة النظام السياسى على العمل المنظماتى الاهلى المدنى ، كما تمنع المجتمع المدنى من سيطرته على سياسات الدوله واجهزتها لتحقيق مصالح فئويه ضيقه. والدوله القويه هى تلك التى تملك امكانيات التنظيم للحراك المجتمعى وخلق مناخات التمكين وتعظيم القدرات وتأكيد معانى ومقاصد السياده. ويقصد بالمجتمع المدنى القوى فى هذا السياق هو ذلك الكيان الذى يتمتع بمشروعيه جماهيريه وطنيه واسعه يعبرعن توجهات مجتمعهِ وحاجاتهِ والقادر على استعمال معانى السلم والشراكه والاعتماد المتبادل. 

ثانياً: مشروطية تضمين المجتمع المدنى للدمقرطه

ان الذهاب إلي المطلق في قبول أو رفض فكرة المجتمع المدني كشرطية لقبول مبدأ ثقافية الديمقراطية، طرح يجانبهُ العديد من العلل. الجدل في العلوم الاجتماعية غير محدد بخطوط ولا بفترة زمنية ولا بشروط مسبقة مؤدلجة أو غير مؤدلجة، وليس الرفض لفكرة المجتمع المدني هو رفض للديمقراطية لأنها ليست مُعبرة عنها.

 ثقافية المجتمع المدني قُدمت، وعلى هذا المنوال،  كبديل للدولة أو الحد من اختصاصات سلطتها في محاولة كما يبدو، لإحلالها واستبدال أداة بأداة أخري. هذا الافتراض عزز الاعتقاد ان نظم الحكم العربية(مجتمع السلطه) تُمثل الموقف المعارض لمقولة المجتمع المدني واستنبات فكرة الصراع بين الطرفين وإستحداث آليات له ومن ثم قيادته.

الفصل بين الدولة والمجتمع آلية أخري افرزها جدل مقولة المجتمع المدني. فالدولة ومن خلال تعريفها الكلاسيكي عبارة عن نظام سياسي وإقليم وشعب ثم الاعتراف، وهو يتضمن وجود المجتمع، وبالتالي المجتمع هو من مكونات الدولة وليس بالجسم المحمل عليها. أيضا قوة الدولة هي فى قوة المجتمع، وبالتالي إذا كانت هناك مواجهة فهي بين النظام السياسي في الدولة والمجتمع وليس بين قوة النظام السياسي والدولة .

فإذا كانت الإشكالية لقبول المجتمع المدني جملة وتفصيلاً هي نظم الحكم العربي وأن المجتمع المدني هو القادر علي الحد من سيطرتها السياسيه، فكيف يتطابق هذا السيناريو مع بقية دول العالم ؟ وما هي أهمية مثل هذا الطرح والجدل في ظل العولمة وتقنياتها السياسيه ؟ وما هي فائدة الاتجاهات الجدلية لقبول فكرة المجتمع المدني وإنها مهمه لمواجهة الدولة والحد من سلطتها وسيطرتها ؟ وكيف نقبل إن فكرة المجتمع المدني متضمنة في ثقافية الديمقراطية، وعليه لابد من المثقفين العرب قبولها، ومن لا يقبلها فهو لم يستوعب بعد ثقافية الديمقراطية ؟!!!

 الحوار ينبغي أن لا يؤسس وفق هذا المنوال من أجل قبول أو رفض فكرة معينة، ان موقف التأكيد بالإلزام من جانب المثقفين العرب بقبول فكرة المجتمع المدني ما هو إلا مبدأ  يناقض مبدأ الحرية وثقافية الديمقراطية .

 فلقد وُصف الرافضين والمتحفظين وغير المؤيدين لفكرة المجتمع المدنى” بالأصوات الثقافية غير القادرة علي استيعاب الديمقراطية” وهي دوماً ترتكن إلي نظرية “المؤامرة” لرفض كل ما هو غربي ووافد للمنطقة العربية (5).

 إن الرفض الثقافي لأية فكرة محددة ذات أبعاد تعمل علي المساس بخطوط مدنية وثقافية الحضارة العربية المجتمعية ينبغي أن لا يُعارض، وليس برفض الذين امنوا بها. وصحيح أيضا ان مفهوم المجتمع المدني متضمن في ثقافية الديمقراطية، ولكن ليس بالضرورة معبرة عنها، ولا يعني عدم قبول هدفية المجتمع المدني رفض فكرة الديمقراطية .

تلك الاتجاهات ذهبت بعيداً إلي حد خلق مواجهة حروبية وعدائية مستمرة وخاسرة بين المثقفين العرب والنظام السياسي العربي، فمن يؤمن بفكرة المجتمع المدني هو في مواجهة النظام السياسي العربي، ومن لا يؤمن به فهو من الذين لم يستوعبوا بعد ثقافية الديمقراطية، مثل هذه التصنيفات لا تقبلها ثقافية الديمقراطية.

 وعليه وجب القول أن وجود اتجاه في الوطن العربي ينطلق من خيبة للامل في الدولة الوطنية ليحتضن العالم خارج الدولة كمصدر بديل للإلهام والتنمية والاستقلال والمشاركه أدي إلي إيجاد او إستيراد مفهوم المجتمع المدني بديلاً شاملاً للدولة العصرية، وهذه حقيقة لا ينبغي إنكارها لدي الحاضنة الثقافية للمجتمع المدني، ورغم وضوح الرؤية أن الوطن العربي قد اخفق في تحقيق امال الانسان العربي فإن هناك مشكلة تقف امام افتراض وجود بديل للاحتضان غير النقدي لمقولة المجتمع المدني، بوصفه بديل تجاه الازمة المستحكمة في الوطن العربي، ومعظمهم يعترضون علي الافتراضات الليبرالية التي تتخلل مفاهيم مصطلح المجتمع المدني !!!

وللمجتمع المدنى عناصر ومكونات تشكل قيامه: الجمعيات, الأندية, النقابات, التعاونيات, الروابط والاحزاب ….الخ، فهذه التشكيلة للمجتمع المدني مُطبقة في كثير من دول العالم بما فيها الوطن العربي، ولكن لكل طريقتهُ في تعريف المجتمع المدني وتحديد دوره والشرائح المؤهله لذلك, وهذه خصوصية من خصوصيات ثقافية الديمقراطية، ولكن هذه التركيبة لكي يتم قبولها ما هو المانع في إعتبارالنظام السياسي في الوطن العربي هو متضمن لثقافية المجتمع المدني العربي، وبالتالي يمكن لنا القول أن ثقافية المجتمع المدني متضمنة في ثقافية الديمقراطية ؟؟

إن أصول” المجتمع المدني الحديث ” في الوطن العربي، أبعد ما يمكن من أن تكون بريئة: علي سبيل المثال خلال فترة الاستعمار للوطن العربي يختلط بالعنصرية والتبعية والاستغلال والتغريب، فلقد كان المجتمع المدني العربي في بداية ونهاية المطاف هو مجتمع المستعمرين، ومن هنا ينبغي ان يُعاد النظر في نظرية ومفهوم المجتمع المدني في الوطن العربي علي ضوء العلاقات التاريخية بين الدولة والمجتمع مع مراعاة جانب الخصوصية. فالتحليل يتطلب إعادة النظر في الصياغة المفاهيمية للمصطلح، بحيث يشمل الدولة ومقومات المجتمع الذي نود وصفه ” بالمدني ” (6) .

الطرح الحالي، والذي يعتبر ان مكونات المجتمع المدني ينبغى ان تكون في مواجهة النظام السياسي في الوطن العربي للحد من سلطتهِ وسيطرتهِ، يستند علي المطالبة من قبل الفئات الاجتماعية، تحت مسميات المؤسسات والديمقراطية ،لاستنهاض قوي تقليدية وهياكل سياسية مهمشه من قبل نظامها السياسى.

     ووفقاً لهذه الصعوبة في وضوح وتجلي المصطلح فيما اذا كان يلبي احتياجات المواطن العربي المتطلع إلي التنمية والإستقلال والإستقرار والمشاركه والتقدم والتحديث والتخلص من براثن الاقصاء والتهميش والتخوين، فأن الحقيقة والتي ينبغي التقدم لها, او ان تكون اكثر قرباً إلينا، في ان ننظر إلي كل من الدولة والمجتمع كمواقع لديها القدرة علي إفراز خطابات وهذه الخطابات ليس لها إلا ان تُدمر او تُقوض نظاماً معيناً أو الاستسلام للوافد .

     ان كلا من الدولة والمجتمع المدني، وبهذه الكيفية ووفق معيار ” ثقافية الديمقراطية ” لديه سياسات خاصة به، وينتج بالضرورة خطابات تتنافر اكثر منها تتقارب. والاقرب ان الدولة والمجتمع المدني ليسا منفصلين عن بعضهما.

     تُري ماذا يمكن ان نسهم به من حيث فهم الدولة والمجتمع والمدني في ظل خيبة امل المواطنه العربيه في ظل وضع دولتها الوطنية الراهن ؟ الجدل الذي صاحب مصطلح المجتمع المدني لا يمكن اسقاطه من ثقافة الديمقراطية سوى كان بالقبول او بالرفض او بالتحفظ، ولا يمكن ربط افكار المجتمع المدني بقبول او رفض الديمقراطية.

 المجتمع المدني ببساطة هو انتشار منظمات اهلية علي اوسع نطاق داخل المجتمع، وهذه حاجة تلقائية للمجتمع ضمن اطار التنظيم، ولكن الدعوة إلي إقامة منظمات اهلية داخل المجتمع من خلال افتعال عدو وهمي وهو الدولة والنظام القائم فيه، فالمسألة تحتاج إلي رصد وتحليل، والافتراض المبني علي الخطأ وضرورة الاقتناع به هو الذي يُوحي بأن هناك معارضة وان هناك عدم فهم واستيعاب لثقافية الديمقراطية .

     وبالتالى فأن المشكل هو ” موقف النظام الرسمي العربي المعارض للمجتمع المدنى” لأن منظمات المجتمع المدني تتعارض مع ” استمرارية وتسلط النظام السياسي العربي ” ،ومن هنا ومن منطلق ثقافية المجتمع المدني يُطلب من المثقفين العرب موقفاً مؤيداً وإيجابياً تجاه المجتمع المدني ومنظماته، لأن تواجدها سوف يمنح أعضائها هامشاً للحرية والتحرر من النظام السياسي العربي، كلها مقولات علي نقيض تام مع فكرة التآصيل لثقافية الديمقراطية، فكيف نستطيع قبول فكرة المجتمع المدني والتي تستهدف النظام السياسي العربي والحد من سيطرتهِ بمعني سيطرة الدولة، وفكرة العولمة والتي هي ايضاً تستهدف الدولة وتقليص دورها؟ والسؤال هو ماذا بقي لنا من الدولة في الوطن العربي ؟

     بتقدير هذه المطالعه لا يوجد احد يرفض ما يعزز الديمقراطية وان يكون الكل في بؤرة العمل الديمقراطي، ولكن في ظل حوارية ثقافة الديقمراطية. فالدعوة مثلاً إلي إقامة منظمات داخل المجتمع العربي مسألة مفروغ منها وقد تجازها الزمن العربي، ففي احدي الاقطار العربية علي سبيل المثال، توجد نقابة للمعاقين كمنظمة راعية لحقوق الانسان المعاق، ولا توجد في العالم وحتى في زمن العولمة، منظمة ترتقي وتهتم بحقوق الانسان غير مسبوقة كهذه، لذلك فشرعية وجود منظمات للمجتمع المدني في الوطن العربي ملف يمكن تجاوزه ويبقى السؤال هو كيفية التوافق والتفعيل للدور المنظماتى المدنى العربى المفقود.

فاذا اخفقت الدولة في تحقيق طموحات وامال الانسان العربي، فالدولة تتكون من منظمات وبالتالي الفشل هو فشل تلك المنظمات والتي يراد بها ان تكون من ضمن مكونات مصطلح المجتمع المدني، وليس الدولة. بكل الجزم ان فكرة المجتمع المدني هي فكرة وافدة وتآطيرها المنهجي هو تآطير وافد، ويمكن مراجعة ادبيات المجتمع المدني عربياً، ومن الذي آطر له ؟

ومن هنا ينبغى اعادة النظر فى طبيعة العلاقه بين الدوله وقيام منظمات المجتمع المدنى علي ضوء العلاقات التاريخية المجتمعية العربية، أيضاً ما هو منظور المجتمع المدني المطلوب؟ ما هو أساس مفهوم الرضوخ في اسس العلاقة بين المجتمع المدني والدولة؟ ومن يرضخ لمن ؟

 بعبارة أخري، إن الأعمال المتوفرة في التاريخ العربي في جزئية المجتمع المدني تفترض أن علاقات القبيلة والعائلة والطائفه قد لعبت دوراً مهماً في الأبنية الإجتماعية والسياسية وفي كيفية ممارسة السلطة، إضافة إلي ذلك فإن النظرية الإجتماعية والسياسية العربية تحمل في طياتها تحديات كبيرة للافكار الوافدة عن المجتمع المدني والتي تري فيه أنه أكثر ديمقراطية من الدولة !!

وفي الوطن العربي وجب القول أن فكرة المجتمع المدني المقصودة فعلياً كما يمر بنا في مسألة العولمة وجدلها، هي إشارة في آن واحد إلي الحركات المطالبة بالتغيير والديمقراطية والاصلاح والمنظمات النسائية والجماعات الشبابية والعمالية والمثقفين والطلاب والمهمشين والفقراء والمبعدين عن ممارسة حقوقهم فى مواجهة عنف الاقليه الحاكمه ، كما تُشير ايضاً إلي القوى التقليدية، والهياكل السياسية المحلية والجماعات الدينية، فهذه القوى هي التي يعنيها خطاب المجتمع المدني الوافد قبل غيرها.

ثالثاً: اراء لاستبدال مسارات فهم المجتمع المدنى

ولوضع مسارات الجدل والحوار حول فكرة المجتمع المدني فيما إذا كانت متضمنة في ثقافية الديمقراطية وهي التى ليست بالضرورة معبرة عنها والأمر يستلزم الاخذ بالرأي التالي في إطار ثقافية الديمقراطية :-

أولاً : أن ثقافية الديمقراطية ليست شرطاً لقبول كل ما يُصدر إلي الوطن العربي من اطروحات، فابن خلدون مؤسس علم العمران الإجتماعي وعلم الاجتماع المدني والذي سبق بدوره غُلاوة المجتمع ” المدمقرط ” وانصار الحداثة .

ثانياً : وجب علي انصار”الحداثة والمجتمع المدني ” إعادة صياغة المفاهيم وتعريفها للمصطلح لكل من الدولة والمجتمع وفقاً لخصوصية المجتمع العربي .

ثالثاً : وجب إسقاط وإبعاد المفاهيم التي تجعل من المجتمع المدني في مواجهة الدولة، إذا اردنا مجتمعنا مدنياً والبحث عن خطاب أقل عدائية والإبتعاد عن عولمة البؤس الثقافي في ظل عدم قدرتنا علي ” ضبط العولمة وايقاعاتها ثقافياً ” .

رابعاً : استبدال الصراع بين الدولة والمجتمع المدني وتوجيهه ضد التخلف الثقافي، والأمية السياسية والإغتراب والإستلاب الذهني للإنسان العربي وقضايا التنمية والبطالة والتقدم إلي صناعة ” جينوم ” ثقافى عربي .

خامساً : إعادة صياغة مفهوم المجتمع المدني في الوطن العربي، وفقاً لخصوصيته سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، ومن ثم يمكن لنا الحديث عن ثقافية الديمقراطية ومضامينها.

وأخيراً، تعتقد هذه المطالعه، أن الأمر، وبهذا الكيفية، يوضح مسألة مهمة وهي أن أرضية صلبة قوية في أوساط المثقفين العرب تقف بأرائها للحيلولة دون نشوء أي استقطاب فج بين الدولة والمجتمع المدني، ومن المجدي ان ننظر إلي كل من الطرفين ( الدولة والمجتمع ) له نتاجاتهِ بالرغم أنهما ليسا منفصلين ولكن غير متساويين في ممارسة السلطة، لأن النغمة التي يرقص عليها الاثنان مختلفة، ويبدو هنا أن ” مارش ” ممارسة السلطة فى الوطن العربي يراد ألغاؤه أو تعديلهُ إلي إيقاع أكثر قبولاً.

نخلص ونقول ان المجتمع المدني ينقسم الي الاتي : المجتمع الوظيفي، ومجتمع السلطة( المجتمع السياسي) والمجتمع المدني، هذا سيكون في مطالعة قادمة.

https://www.afrigatenews.net/a/131219

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *